لا أعتقد بأن الشعور بالندم على اختيار شريك الحياة مرتبط بسرعة اتخاذ القرار في اختيار هذا الشريك، فهناك من كان متأنياً في اختيار شريك حياته، إلا أن الظروف قد خلقت له نوعاً من الندم على اختياره، لكن الأمر مرتبط بشكل كبير بعملية المقارنة التي يجريها الإنسان مع غيره من البشر والأزواج، حيث يبدأ بمقارنة مستواه الاقتصادي مع الآخرين، ومقارنة مستواه ومستوى زوجته التعليمي ومقارنة عدد الأولاد الذي عنده، ومقارنة جمال زوجته بزوجات الآخرين، وعائلتها.. إلى ما هنالك من متغيرات قد تكون متوفرة عند غيره دون أن تتوفر في حياته الزوجية .

هذه المقارنات تحدث على الرغم أن الأمور التي يقارن على أساسها ما هي إلا قشور خارجية، دون أن يعلم حقيقة العلاقات الزوجية بين سائر الأزواج الذين تمتلئ حياتهم بالصراعات والخلافات المخفية والتي لا تظهر على السطح، فلا نرى من علاقاتهم إلا الايجابيات.

تحدث عملية دراسة كل من الزوجين بعضهما لبعض قبل مرحلة الزواج وفي مرحلة الخطوبة، وهذه المرحلة بالطبع مهمة جداً في تعرف كل طرف على الآخر وتحديد اتجاهاته وميوله وطريقة تفكيره، إلا أنه وللأسف يغلب التفكير العاطفي على طابع هذه العلاقة، ويكون التركيز على الجمال الخارجي جون الغوص في الأعماق، فيكون الاختيار على أساس النظرة الأولى، دون أن يتفحص الفرد في خصائص وسمات شخصيته المشتركة مع الطرف الآخر، الأمر الذي يؤدي إلى نشوب الصراعات والندم على العلاقة الزوجية فيما بعد، ففي مرحلة الخطبة يحاول كل طرف أن يظهر محاسنه ويظهر أمام الآخر في أبهى صورة مع إخفاء العيوب التي قد تكون موجودة،

فتبدأ هذه العيوب بالظهور خلال الحياة الزوجية فيتفاجأ بها الطرف الآخر كونها كانت مطموسة سابقاً، فيقع الزوجين فيما بعد في الخلافات، وتتكشف الحقائق . ناهيك عن أن استعداد الخطيبين قبل الزواج لحياتهما الزوجية تتلخص في الحياة الهانئة والطريق المعبدة بالورود، دون أن يكونا مستعدين لمسؤولياتها ومشكلاتها بأبعادها الأخرى من أولاد وأعباء اقتصادية.

هذا وقد تكون الظروف الاقتصادية سبباً في هذا الندم لكنها ليست السبب الوحيد، فتوقع دوام المحال هو أمر من المحال، فالمرأة لا يمكن أن يستمر جمالها كما كان عليه قبل الحمل والولادة، وكثرة مسؤوليات تربية الأولاد ومتطلباتهم، الأمر الذي يقلل فترة حوار الزوجين مع بعضهما، وقضائهما وقتاً ممتعاً مع لكثرة المسؤوليات، مما يخلق البعد في المسافة الوجدانية، والرجل كذلك لا يمكن أن يبقى مستقراً من حيث مستواه الاقتصادي، فتظهر مشاعر الندم على اختيار الزوج، الذي يتم وضعه كشماعة لجميع المشكلات الحالية في الأسرة،

في المجتمعات الغربية قد يبدو الأمر مختلفاً قليلاً، كون علاقة المصلحة هي التي تطغى على الكثير من حالات الزواج، وعلى الرغم من العلاقة السابقة بين الزوجين إلا أن المشاكل تحدث، لأن العلاقة السابقة لا تنطوي على مسؤولية، وطبيعة الرجل والمرأة الغربيين يتملصان من استحقاقات الحياة الزوجية ومسؤولياتها مما يشعرهم بالندم على الحياة الزوجية عامة، وليس الندم على اختيار الشريك.

وتلعب أسرة الزوجين دوراً مؤثراً في عامل الندم هذا، وبمجرد رضا الحماة عن الزوج أو الزوجة تسير الأمور على ما يرام، والمشكلة حين لا ترضى الحماة عن الزوجة أو الزوج، حينها تبدأ ببث السلبيات عنه، ولا تظهر محاسنه، وتصبح أسرهما معاول هدم في حياتهما الزوجية، بدلاً من أن تكون عناصر إصلاح وصيانة لما يطرأ على حياتهما من عقبات وثغرات.

أعتقد أن الاختيار المثالي لشريك الحياة هو أمر صعب المنال والتطبيق، في ظل متغيرات وظروف هائلة يقع فيها الشاب أو الفتاة، فليس من الممكن بل المستحيل، اجتماع جميع المواصفات التي يريدها الطرف والطرف الآخر في كلاهما في، وموضوع الرضا والمثالية في الاختيار هو أمر نسبي، يتأثر بعوامل اجتماعية ونفسية وثقافية عند كلاهما، وتغطي المحبة على كثير من العيوب والسلبيات.

إن عملية المطابقة الكاملة بين صفات الزوجين أمر غير مطلوب، لأن الخلاف موضوع صحي ومتوفر في الحياة الإنسانية، وكل طرف هو مكمل للآخر، إلا أن عوامل العمر والمستوى التعليمي والثقافي والمستوى الاجتماعي، كلما كان متوفراً منها الحد الأدنى كلما كانت العلاقة ناجحة، على الرغم من نجاح علاقات لا تتوفر فيها هذه الظروف والعوامل، وبإمكان الزوجين أن يصنعا السعادة إذا لان كل طرف للآخر وإذا رغبا في ذلك، حتى لو لم تكن جميع العناصر متوفرة.

أما بالنسبة للأبناء قهم متأثرين مباشرين من علاقة والديهما، والوالدان هما نموذج ومثل أعلى للأبناء، فإذا كان الحب والوئام يسود بينهما، انعكس ذلك على الأبناء، والعكس بالعكس، بل إن ذلك ينعكس على مدى اختيار الابن لشريك حياته في المستقل، ونتيجة عدم حب الوالدين لبعضهما، تظهر مشاعر عدم الأمان عند الأبناء الذين يرون في أمهما وأبوهما مصدراً لهذا الحنان، ويبقى عنصر التهديد بالانفصال موجوداً فيظل الأبناء في حالة ترقب وقلق على مستقبل قد يكون مجهول المعالم

وفي مثل حالات الندم على اختيار شريك الحياة، لا يعتبر الطلاق حلاً أمثلاً أو مرغوباً فيه، واعتقد أن جزءاً مقبولاً من هذه المشاعر يعتبر أمراً اعتياديا، ولا بد من التخلص من مشاعر الندم، والتركيز على الايجابيات بدلاً من التركيز على السلبيات، ومحاولة خلق أكبر قدر ممكن من الحوار والتواصل والبحث عن الأمور المشتركة بين الطرفين، وهي كثير إذا أمعنا النظر فيها، وإن استمرارية مشاعر الشعور بالندم على الاختيار مضر بالصحة النفسية للزوجين وعلى التكيف النفسي، ويخلق حالة من الصراع الداخلي بين رغبات متناقضة قد لا يستطيع الزوج أو الزوجة تحقيقها.