رمضان كريم فجودوا عباد الله
لا يكمل للعبد حظه من العقل حتى يكمل له حظه من مكارم الأخلاق فإذا أكمل خلقه تحمل عقله وإذا كمل عقله أطمئنت نفسه، وأنس ولو كان في دار غربة وغنى ولو كان لا مال له.
ثم إن للمكارم مواسم خصب، وأزمنة فاضلة، تتقرب فيها النفوس على مكارم الأخلاق ومن أرفها شهر رمضان.
يا سادة: الرب سبحانه كريم، والكرم صفاته، ومن آثار كرمه سبحانه عفوه عن المسي وبره به، وتكفيره لخطاياه، ورفعته لدرجة عبرة في الدارين وفي الحديث: «إن الله كريم يحب الكرم، ويحب معالي الأخلاق...»
ومن أدب العبد يا سادة أن يتأدب بمعاني صفات الرب التي هي معدن الكمال، بل هي أسه ولبه، ولو تأدبنا بشيء من ذلك لم نجد في مجتمعاتنا أزمة أخلاق.
ثم إن العناية بالنفي والإثبات، والتقسيم والسير، وضبط النصوص، وصيانتها من أ‘مال العقول فيها منهج أو طريقة مرضية، غير أن التأدب بها والتخلق من آثار الإيمان بها، فالتوازن مطلوب من المؤمن.
يا سادة:الكريم حبيب الله..
حبيب الناس..
قريب من الله..
قريب من الناس.
حراس لعرضه بكرمه، مخرس كل ذام بصلته، وقد قيل: بالمعروف يشتري الأحرار.
الكريم يا سادة لا يكون حقوداً على غيرها، ولا ينتقم لنفسه، ولا يحسد من حباهم الله نعماً، بل يعيش الإيثار في حياته تطبيقاً عملياً.
الكريم كريم الخلق، فلا يفجر إن خاصم، ولا يخون إن وضعت لديه أمانة.
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أكرم خلق الله، وكان أكرم ما يكون في رمضان، حتى قال الصحابي –رضي الله عنه- كان أجود بالخير من الريح المرسلة، ولكم تتأملوا كلمة الريح المرسلة، فهي ريح وأرسلت.
وهو الذي علمنا عليه الصلاة والسالم دعاء الرب جل وعز بـ اللهم أهدني لصالح الأعمال، والأخلاق، فإنه لا يهدي لصالحها إلا أنت.
وإن سأتم يا سادة، عن وسائل تنمية هذه الصفة في القلوب قبل الجوارح فهي كما يلي:
أولاً: التهمم في التكرم: وذلك برفع الهمة في هذا الباب، فإن النفس إذا رغبتها في الخير رغبت، وإن أ÷ملتها هملت، فطالع قصص أهل الكرم والبذل تجد العجب العجاب، فهذا أسعد بن عبادة-رضي الله عنه- يرجع كل ليلة إلى منزله بثمانين من أهل الصفة يعشيهم، وهذا عجيب وهذا قيس بن سعد بن عبادة –رضي الله عنه وعن أبيه- يمرض فيقل عواده، فيسأل زوجه عن السبب فتخبره أن أصحابه طواقتهم الديون له، وهم يستحيون منه.
فيأمر بالصكوك أن تكتب بالعفو عن كل مدين له، ويقول: اللهم ارزقني مالاً، وفعالاً، فإنه لا تصلح الفعال إلا بالمال، كما ذكر الذهبي في السير.
ثانياً: مصاحبة القوم، والتأسي بهم، والنظر في صفحات حياتهم المطوية، إن القدوة تحيطه الأنظار، وأن العين تتربى بأخلاق الكبار، وف بالحديث، الرجل عن دين خليله، والطبع تسراق، فمن استعان بالله ثم بصاحب كرم على تعدل طبعه، وتهذيب نفسه، أفلح صدق.
ثالثا: العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، وهذا في عموم التربية على علو الهمة والهمة بالتهمم.
رابعاً: معرفة فضل هذا الخلق ومنزلته، وقيمته الاجتماعية، وثماره في الدارين وكذا معرفة ضده، وبضدها تتميز الأشياء، وهو البخل الذي لو كان وجهاً لكان مشوهاً، ولو كان يداً لكانت شلاء، ولو كان ثوباً لما لبس، أو طعاماً ما لمس.
يا سادة هلموا إلى الكرم في شهر الكرم حساً ومعناً والسلام.