مال كثير في "أنواع الأرز الفريدة"

عطِر، ملوّن، لزج، عضوي، "في المحال المتخصصة" - لماذا يجب أن يكون الأرز دائماً رقيقاً وأبيض؟

مال كثير في "أنواع الأرز الفريدة"
في حين جرت أبحاث كثيرة عن أنواع الأرز العادية ذات غلال مرتفعة، لم تولَ العناية الكافية للأنواع الخاصة، مع أنّ أسعارها أعلى...
السؤال الأول: لماذا تفوح رائحة طيبة من الأرز البسمتي؟ الجواب الذي يعطيه العلم هو أنّ حبوب البسمتي تحتوي على 0.09 أجزاء بالمليون من مكوّن 2-acetyl-1-pyrroline الكيمائي، الذي يفوق 12 ضعفاً تقريباً معدلات التركيز الموجودة في أنواع فود القطرية والمنظمات غير الحكومية وعالم الأعمال في جوهانسبرغ من 26 آال هذه الجمع الأرز الخالية من الرائحة، أي ما يكفي لإعطاء أرز البسمتي رائحته التابلية المميّزة. وقد جعلت هذه النكهة - بالإضافة إلى حبوبه الرفيعة والرقيقة وطراوته ورقّته كالزغب عند طهيه - أرز البسمتي إحدى أنواع الأرز الأكثر شهرة، إذ يباع منه 10 أضعاف ما يباع من أنواع الأرز العادية في الأسواق العالمية.
السؤال الثاني: لماذا لا يتحول المزيد من مزارعي الأرز في العالم إلى زراعة أنواع مثل البسمتي وغيرها الكثير من "أنواع الأرز الفريدة" ذات قيمة عالية والتي لا تمثل اليوم أكثر من 10 في المائة من إنتاج الأرز العالمي؟ "لأن الأرز كان يعتبر بشكل رئيسي، حتى مؤخراً، غذاء أساسياً" على حد قول Dat Van Tran، الأمين التنفيذي لهيئة الأرز الدولية التي يوجد مقرها في المنظمة في روما. "لذا، في حين أجريت أبحاث كثيرة وكتب الكثير عن أنواع الأرز العادية وذات غلال مرتفعة، لم تولَ العناية الكافية للأنواع الخاصة، مع أنّ أسعارها أعلى. فإذا أراد المزارعون الاستفادة من فرص جديدة في الأسواق، عليهم تحديث المعلومات بشأن زراعة أنواع الأرز الفريدة وإنتاجها وتسويقها."
واستجابة لهذه الحاجة، أصدرت هيئة الأرز الدولية وإدارة المحاصيل والأراضي العشبية في مصلحة الزراعة مطبوعاً جديداً بعنوان Speciality rices of the world (أنواع الأرز الفريدة في العالم) سيعرض على الهيئة في دورتها القادمة في بانكوك هذا الشهر (المزيد من التفاصيل). ويستعرض هذا الكتاب الذي ساهم في إعداده 60 خبيراً من آسيا وأفريقيا والولايات المتحدة بالتفصيل آخر استراتيجيات التربية والممارسات الزراعية وحزم الإنتاج واتجاهات السوق لعشرات أنواع الأرز مثل الأرزّ العطِر والملوّن واللزج والعضوي و"المحال المتخصصة".
الأرز العطِر: يبدو أنّ الأرز العطِر الآسيوي - بما في ذلك البسمتي من الهند وباكستان وأرز الياسمين ومئات الأنواع المحلية غير المشهورة - واعد جداً. إذ تشهد أسواق التصدير في أوروبا وأمريكا الشمالية توسعاً سريعاً بالإضافة إلى ازدياد الطلب المحلي. والواقع برأي Dat Van Tran أنّ "تلبية الطلب على هذا النوع من الأرز لن يتم في أي وقت من الأوقات بحسب التقديرات". ويعود السبب في النقص المستمر في العرض لهذا النوع من الأرز العطِر بالمساحة المزروعة منه المحدودة نسبياً وبقلة غلال هذه المحاصيل. في الصين مثلاً، لا تتعدى المساحة المخصصة لزراعة الأرز العطِر (المستعمل بشكل خاص في الطعام وقوالب الحلوى) 1 في المائة من المساحة بالآكرات المخصصة للأرز على المستوى القطري؛ وبسبب انخفاض خصوبة الحبوب وتعرضها لمرض لفحة الأرز، تكون الغلال 10 في المائة أقل من غلال الأرز العادي. وفي الهند، لا تستجيب أنواع البسمتي التقليدية للسماد ويصعب حصادها. أما غلتها فتبلغ طنين في الهكتار الواحد أي أقل بكثير من 5-6 أطنان للهكتار الواحد التي تنتجها الأنواع ذات غلال عالية. ورغم عشرات السنين من الأبحاث، لا يزال المهندسون الزراعيون في الهند يسعون إلى تطوير نوع أرز بسمتي عالي الغلال، أبدى المزارعون والطحّانون استعدادهم لاعتماده. في المقابل، في باكستان، تزرع أنواع محسّنة على نطاق واسع لكن النكهة الموجودة في حبوبها تختلف عن تلك الموجودة في الأرز التقليدي.

الأرز باختصار... يتحمل الأرز (من نوع oryza) الظروف الصحراوية والحارة والرطبة والفيضانات والجفاف والبرد وينبت في التربة المالحة والقلويّة والحمضية. وتتم زراعة نوعين من بين 20 نوع أرز هما الأرز الشائع (sativa) ومصدره المناطق الاستوائية الرطبة في آسيا والأرز المزروع في غرب أفريقيا (glaberrima). وقد تطوّر الأرز الآسيوي ونتجت عنه ثلاثة أصناف بيئية جغرافية (الهندي والياباني والجاوي). وتمثل الأنواع الهندية 80 في المائة من الأرز المزروع وتتغذى منها 3000 مليون نسمة تقريباً يعيش القسم الأكبر منهم في البلدان النامية. أما الأنواع الهندية والجاويّة فتختلف كثيراً من حيث الشكل والحجم واللون والتكوين الكيميائي. فتؤثر مثلاً كميات الأميلوز والأميلوبكتين الموجودة في الأرز على نوعية الطهي وأوجه الاستعمال الممكنة.

ويعلّق Dat Van Tran على الموضوع قائلاً "هناك حاجة عامة إلى تحسين غلال الأنواع العطِرة". ويجمع أحد برامج الأبحاث في تايلند بين نوع من أرز الياسمين ونوع آخر عالي الغلال وشبه قزم، لا يتأثر بالفترة الضوئية وأقلّ عرضة للأمراض والآفات. وبفضل التنوع الوراثي الكبير بين الأنواع العطِرة المحلية، تحاول إحدى برامج التربية برعاية مشتركة من المنظمة والهند تطوير أرز بسمتي هجيني، فيما يتوقع المعهد الدولي لبحوث الأرز في الفلبين أن تصبح أنواع أرز البسمتي المحسّنة التي تتمتع بقدرة أكبر على إنتاج غلال عالية متوفرة في السنتين أو الثلاث سنوات القادمة.
الأرز الملون: إن أهمية بعض أنواع الأرز الفريدة تكمن ليس في النكهة بل في اللون الذي تحدده مستويات صبغ الأنثوسيانين في مختلف طبقات القشرة وغلاف البذرة والطبقة الخارجية للحبة. ويتراوح لون الإندوسبيرم في مختلف أنواع الأرز بين الأبيض وعدة تدرجات نصف شفافة وصولاً إلى الأحمر والأرجواني والأسود. ويستعمل في الصين الأرز الأسود غير المطحون على اعتباره ملوناً طبيعياً في قوالب الحلوى والزلابية والعصائد وكعكة رأس السنة والنبيذ الأالحلوى والزلابية والعصائد وكعكة رأس السنة والنبيذ الأسود. كما أنه مغذٍ جداً وغني بالفيتامين ب والكثير من العناصر الفلزية (مثل البرونز والمنغنيز والكلسيوم). ويعتقد أنّ أرز جييغونو الأسود اللون المائل إلى الأرجواني يقوّي جهاز المناعة ويسرّع الشفاء من الكسور. ومع أنّ الصين أطلقت 54 نوع أرز أسود حديث عالي الغلال وذات نوعية جيدة ومقاوم لعدة أمراض، فإنّ أقل من 1.3 في المائة من حقول الأرز تزرع فيها تلك المحاصيل. ويفيد الباحثون أن الأرز الأحمر الذي يتم تجهيز القسم الأكبر منه للحصول على أرز أبيض مطحون يستخدم في الطهي والأكل كالمعتاد، أكثر تحملاً للبيئات المعاكسة، مثل الأراضي غير الخصبة والمناطق الجبلية.
الأرز اللزج ("الدبق"): يحدد نوعان من النشويات في الحبوب هما الأميلوز والأميلوبكتين درجة لزوجة الأرز "الدبق". فكلما ارتفعت كميات الأميلوبكتين، كلما أصبح الأرز دبقاً. ويسهل تمييز الأرز الدبق عن الأنواع الأخرى بفعل لونه اللبني. وهو يستهلك بالأخص في المناطق التي يزرع فيها - لا سيما في المناطق الجافة في شمال تايلند ولاوس وكمبوديا.-وغالباً ما يستعمل من ضمن مكونات أطباق الحلويات والوجبات الخفيفة ولصنع الجعة. وتعتبر لاوس أكبر منتج ومستهلك للأرز اللزج من حيث الإنتاج للفرد الواحد، إذ يمثل 85 في المائة من إنتاج الأرز. أما في ما يتعلق بأنواع الأرز الفريدة العديدة الأخرى، فإنّ غلال الأرزّ "الدبق" أقل بكثير - حيث يبلغ متوسط غلال الأنواع غير اللزجة في تايلند أربعة أطنان في الهكتار الواحد تقريباً مقابل 1.9 أطنان في الهكتار الواحد بالنسبة إلى الأنواع اللزجة. لكن Dat Van Tran يشير إلى أنّ ارتفاع الأسعار يعوّض عن انخفاض الغلال، فيما يزداد الطلب لا سيما في أسواق التصدير.
أرز المحال المتخصصة والأرز العضوي: يجمع الأرز المعروف بأرز المحال المتخصصة بين اللزوجة والنكهة وهو يشمل العديد من الأنواع التقليدية في لاوس وغيرها من الأنواع التي تزرع وتستهلك في تايلند وكمبوديا. ويعتبر أنّ أرز المحال المتخصصة يتمتع بأعلى قدرة تصدير، لذا تركز برامج التربية على زيادة غلاله. وفي الصين مثلاً، طوّر العلماء انطلاقاً من نوع عطِر يزرع محلياً نوعاً عطِراً لدناً يابانياً أسموه Shangnongxiangnuo  الذي تصل غلاله إلى 7.5 أطنــ ان في الهكتار الواحد. في المقابل، يتحول العديد من مزارعي الأرز إلى إنتاج الأرز العضوي - وتشير الدراسات الاستقصائية، في ظل عدم توفر إحصائيات دقيقة، إلى أن البلدان المتقدمة والنامية (لا سيما في آسيا) تلجأ إلى زراعة الأرز العضوي، أملاً منها في الدخول إلى تجارة الأغذية العضوية العالمية التي تقدّر قيمتها  بـ 10000 مليون دولار أمريكي. ويقول Dat Van Tran إنّ "نمو هذا النوع من الأرز أبطأ بسبب ارتفاع التكاليف وعدم توفر المدخلات والتكنولوجيا والمشاركة المحدودة للمحال الكبرى ومحال البيع بالتجزئة".
في الختام، يستبشر كتاب Speciality rices of the world خيراً عن مستقبل هذا القطاع: "مع ازدياد الرفاهية، يبحث المستهلكون عن أنواع أرز أفضل. والبلدان التي كانت تؤمن حاجاتها الغذائية بفضل أنواع هندية أو هجينية ذات نوعية دنيا وغلال عالية، كما في جمهورية كوريا، تحولت بالكامل تقريباً إلى الأرز الياباني الأقل غلالاً لكن الأكثر جودة. كذلك ارتفع بشكل ملحوظ الطلب على الأرز البسمتي العالي الجودة في الهند وباكستان. والآسيويون الذين يهاجرون إلى البلدان الشرق أوسطية أو الأوروبية أو الأمريكية قادرون على شراء أرز البسمتي أو الياسمين الأفضل نوعية مهما علا ثمنه. مما يعني أنّ مستقبل أنواع الأرز الفريدة مرتبط بازدياد رفاهية الشعوب."